goha مؤسس الموقع
علم بلدك : الجنس : نقاط : 19365 عدد المساهمات : 2836 السٌّمعَة : 22 تاريخ التسجيل : 30/07/2009 العمر : 36 https://goha.ahlamontada.com
| موضوع: صلاح الدين الايوبى الجزء الخامس الثلاثاء 11 أغسطس 2009, 12:08 am | |
| الصليبيون في عكا
بلغ صلاح الدين ان الافرنج قصدوا عكا ونزلوا عليها يوم الاثنين ثالث عشر رجب سنة 585هـ فاتى عكا ودخلها بغتة لتقوى قلوب من بها و استدعى العساكر من كل ناحية فجاءته وكان العدو بمقدار الفي فارس وثلاثين الف راجل ثم تكاثر الافرنج واستفحل امرهم واحاطوا بعكا ومنعوا من يدخل اليها ويخرج وذلك يوم الخميس فضاق صدر السلطان لذلك ثم اجتهد في فتح الطريق اليها لتستمر السابلة بالميرة والنجدة وشاور الامراء فاتفقوا على مضايقة العدو لينفتح الطريق ففعلوا ذلك وانفتح الطريق وسلكه المسلمون ودخل السلطان عكا فاشرف على امورها ثم جرى بين الفريقين مناوشات في عدة ايام وتاخر الناس الى تل العياضية وهو مشرف على عكا وفي هذه المنزلة توفي الامير حسام الدين طمان وذلك ليلة نصف شعبان من سنة خمس وثمانين وخمسمائة وكان من الشجعان.
قال ابن شداد سمعت السلطان ينشد وقد قيل له ان الوخم قد عظم بمرج عكا وان الموت قد فشا في الطائفتين :
اقتلاني ومالكا واقتلا مالكا معي
يريد بذلك انه قد رضي ان يتلف اذا اتلف الله اعداءه، وهذا البيت له سبب يحتاج الى شرح وذلك ان مالك بن الحارث المعروف بالاشتر النخعي كان من الشجعان والابطال المشهورين وهو من خواص اصحاب علي بن ابي طالب رضي الله عنه تماسك في يوم معركة الجمل المشهورة هو وعبد الله بن الزبير بن العوام وكان ايضا من الابطال وابن الزبير يومئذ مع خالته عائشة ام المؤمنين وطلحة والزبير رضي الله عنهم اجمعين وكانوا يحاربون عليا رضي الله عنه فلما تماسكا صار كل واحد منهما اذا قوي على صاحبه جعله تحته وركب صدره وفعلا ذلك مرارا وابن الزبير ينشد :
اقتلاني ومالكا واقتلا مالكا معي
يريد الاشتر النخعي.
قال ابن شداد ثم ان الافرنج جاءهم الامداد من داخل البحر واستظهروا على الجيوش الاسلامية بعكا وكان فيهم الامير سيف الدين علي بن احمد المعروف بالمشطوب الهكاري والامير بهاء الدين قراقوش الخادم الصلاحي وضايقوهم اشد مضايقة الى ان غلبوا عن حفظ البلد فلما كان يوم الجمعة سابع عشر جمادى الاخرة من سنة 587هـ خرج من عكا رجل عوام ومعه كتب من المسلمين يذكرون حالهم وما هم فيه وانهم قد تيقنوا الهلاك ومتى اخذوا البلد عنوة ضربت رقابهم وانهم صالحوا على ان يسلموا البلد وجميع ما فيه من الالات والعدة والاسلحة والمراكب ومائتي الف دينار وخمسمائة اسير مجاهيل ومائة اسير معينين من جهتهم وصليب الصلبوت على ان يخرجوا بانفسهم سالمين وما معهم من الاموال والاقمشة المختصة بهم وزراريهم ونسائهم وضمنوا للمركيس لانه كان الواسطة في هذا الامر اربعة الاف دينار ولما وقف السلطان على الكتب المشار اليها انكر ذلك انكارا عظيما وعظم عليه هذا الامر وجمع اهل الراي من اكابر دولته وشاورهم فيما يصنع واضطربت اراؤه وتقسم فكره وتشوش حاله وعزم على ان يكتب في تلك الليلة مع العوام وينكر عليهم المصالحة على هذا الوجه وهو يتردد في هذا فلم يشعر الا وقد ارتفعت اعلام العدو وصلبانه وناره وشعاره على سور البلد وذلك في ظهيرة يوم الجمعة سابع عشر جمادى الاخرة من السنة وصاح الافرنج صيحة عظيمة واحدة وعظمت المصيبة على المسلمين واشتد حزنهم ووقع فيهم الصياح والعويل والبكاء والنحيب.
ثم ذكر ابن شداد بعد هذا ان الافرنج خرجوا من عكا قاصدين عسقلان لياخذوها وساروا على الساحل والسلطان وعساكره في قبالتهم الى ان وصلوا الى ارسوف فكان بينهما قتال عظيم ونال المسلمين منه وهن شديد ثم ساروا على تلك الهيئة تتمة عشر منازل من مسيرهم من عكا فاتى السلطان الرملة واتاه من اخبره بان القوم على عزم عمارة يافا وتقويتها بالرجال والعدد والالات فاحضر السلطان ارباب مشورته وشاورهم في امر عسقلان وهل الصواب خرابها ام بقاؤها فاتفقت اراؤهم ان يبقى الملك العادل في قبالة العدو ويتوجه هو بنفسه ويخربها خوفا من ان يصل العدو اليها ويستولي عليها وهي عامرة وياخذ بها القدس وتنقطع بها طريق مصر وامتنع العسكر من الدخول وخافوا مما جرى على المسلمين بعكا وراوا ان حفظ القدس اولى فتعين خرابها من عدة جهات وكان هذا الاجتماع يوم الثلاثاء سابع عشر شعبان سنة سبع وثمانين وخمسمائة فسار اليها فجر الاربعاء ثامن عشر الشهر قال ابن شداد وتحدث معي في معنى خرابها بعد ان تحدث مع ولده الملك الافضل في امرها ايضا ثم قال لان افقد ولدي جميعهم احب الي من ان اهدم منها حجرا ولكن اذا قضى الله تعالى ذلك وكان فيه مصلحة للمسلمين فما الحيلة في ذلك قال ولما اتفق الراي على خرابها اوقع الله تعالى في نفسه ذلك وان المصلحة فيه لعجز المسلمين عن حفظها وشرع في خرابها فجر يوم الخميس التاسع عشر من شعبان من السنة وقسم السور على الناس وجعل لكل امير وطائفة من العسكر بدنة معلومة وبرجا معينا يخربونه ودخل الناس البلد ووقع فيهم الضجيج والبكاء وكان بلدا خفيفا على القلب محكم الاسوار عظيم البناء مرغوبا في سكنه فلحق الناس على خرابه حزن عظيم وعظم عويل اهل البلد عليه لفراق اوطانهم وشرعوا في بيع ما لا يقدرون على حمله فباعوا ما يساوي عشرة دراهم بدرهم واحد وباعوا اثني عشر طير دجاج بدرهم واحد واختبط البلد وخرج الناس باهلهم واولادهم الى المخيم وتشتتوا فذهب قوم منهم الى مصر وقوم الى الشام وجرت عليهم امور عظيمة واجتهد السلطان واولاده في خراب البلد كي لا يسمع العدو فيسرع اليه ولا يمكن من خرابه وبات الناس على اصعب حال واشد تعب مما قاسوه في خرابها وفي تلك الليلة وصل من جانب الملك العادل من اخبر ان الافرنج تحدثوا معه في الصلح وطلبوا جميع البلاد الساحلية فراى السلطان ان ذلك مصلحة لما علم من نفس الناس من الضجر من القتال وكثرة ما عليهم من الديون وكتب اليه ياذن له في ذلك وفوض الامر الى رايه واصبح يوم الجمعة العشرين من شعبان وهو مصر على الخراب واستعمل الناس عليه وحثهم على العجلة فيه واباحهم ما في الهري الذي كان مدخرا للميرة خوفا من هجوم الافرنج والعجز عن نقله وامر باحراق البلد فاضرمت النيران في بيوته وكان سورها عظيما ولم يزل الخراب يعمل في البلد الى نهاية شعبان من السنة واصبح يوم الاثنين مستهل شهر رمضان امر ولده الملك الافضل ان يباشر ذلك بنفسه وخواصه ولقد رايته يحمل الخشب بنفسه لاجل الاحراق، وفي يوم الاربعاء ثالث شهر رمضان اتى الرملة ثم خرج الى اللد واشرف عليها وامر بخرابها وخراب قلعة الرملة ففعل ذلك وفي يوم السبت ثالث عشر شهر رمضان تاخر السلطان بالعسكر الى جهة الجبل ليتمكن الناس من تسيير دوابهم لاحضار ما يحتاجون اليه ودار السلطان حول النطرون وهي قلعة منيعة فامر بتخريبها وشرع الناس في ذلك.
| |
|