علم بلدك : الجنس : نقاط : 19365 عدد المساهمات : 2836 السٌّمعَة : 22 تاريخ التسجيل : 30/07/2009 العمر : 36 https://goha.ahlamontada.com
موضوع: صلاح الدين الايوبى الجزء الثالث الثلاثاء 11 أغسطس 2009, 12:01 am
المواجهة مع الافرنجة
في سنة 572هـ اسقرت الامور بمصر والشام للدولة الايوبية، وكان اخو صلاح الدين شمس الدولة توران شاه قد وصل اليه من اليمن فاستخلفه بدمشق ثم تاهب للغزاة من الافرنجة، فخرج يطلب الساحل حتى وافى الافرنج على الرملة وذلك في اوائل جمادى الاولى سنة 573هـ وكانت الهزيمة على المسلمين في ذلك اليوم، فلما انهزموا لم يكن لهم حصن قريب ياوون اليه فطلبوا جهة الديار المصرية وضلوا في الطريق وتبددوا واسر منهم جماعة منهم الفقيه عيسى الهكاري وكان ذلك وهنا عظيما جبره الله تعالى بمعركة حطين المشهورة.
اقام صلاح الدين بمصر حتى لم شعثه وشعث اصحابه من اثر هزيمة الرملة ثم بلغه تخبط الشام فعزم على العود اليه واهتم بالغزاة فوصله رسول قليج ارسلان صاحب الروم يلتمس الصلح ويتضرر من الارمن فعزم على قصد بلاد ابن لاون ـ وهي بلاد سيس الفاصلة بين حلب والروم من جهة الساحل ـ لينصر قليج ارسلان عليه فتوجه اليه واستدعى عسكر حلب لانه كان في الصلح انه متى استدعاه حضر اليه ودخل بلد ابن لاون واخذ في طريقه حصنا و اخربه ورغبوا اليه في الصلح فصالحهم ورجع عنهم ثم ساله قليج ارسلان في صلح الشرقيين باسرهم فاجاب الى ذلك وحلف صلاح الدين في عاشر جمادى الاولى سنة ست وسبعين وخمسمائة ودخل في الصلح قليج ارسلان والمواصلة وعاد بعد تمام الصلح الى دمشق ثم منها الى مصر.
كانت معركة حطين المباركة على المسلمين في يوم السبت 14 ربيع الاخر سنة 583هـ في وسط نهار الجمعة وكان صلاح الدين كثيرا ما يقصد لقاء العدو في يوم الجمعة عند الصلاة تبركا بدعاء المسلمين والخطباء على المنابر فسار في ذلك الوقت بمن اجتمع له من العساكر الاسلامية وكانت تجاوز العد والحصر على تعبئة حسنة وهيئة جميلة وكان قد بلغه عن العدو انه اجتمع في عدة كثيرة بمرج صفورية بعكا عندما بلغهم اجتماع الجيوش الاسلامية فسار ونزل على بحيرة طبرية ثم رحل ونزل على طبرية على سطح الجبل ينتظر هجوم الصليبيين عليه اذا بلغهم نزوله بالموضع المذكور فلم يتحركوا ولا خرجوا من منزلهم وكان نزولهم يوم الاربعاء 21ربيع الاخر فلما راهم لا يتحركون نزل على طبرية وهاجمها واخذها في ساعة واحدة وبقيت القلعة محتمية بمن فيها ولما بلغ العدو ما جرى على طبرية قلقوا لذلك ورحلوا نحوها فبلغ السلطان ذلك فترك على طبرية من يحاصر قلعتها ولحق بالعسكر فالتقى بالعدو على سطح جبل طبرية الغربي منها وذلك في يوم الخميس 22 ربيع الاخر وحال الليل بين المعسكرين قياما على مصاف الى بكرة يوم الجمعة فركب الجيشان وتصادما والتحم القتال واشتد الامر وذلك بارض قرية تعرف بلوبيا وضاق الخناق بالعدو وهم سائرون كانهم يساقون الى الموت وهم ينظرون وقد ايقنوا بالويل والثبور واحست نفوسهم انهم في غد يومهم ذلك من زوار القبور ولم تزل الحرب تضطرم والفارس مع قرنه يصطدم ولم يبق الا الظفر ووقع الوبال على من كفر فحال بينهم الليل بظلامه وبات كل واحد من الفريقين في سلاحه الى صبيحة يوم السبت فطلب كل من الفريقين مقامه وتحقق المسلمون ان من ورائهم الاردن ومن بين ايديهم بلاد العدو وانهم لا ينجيهم الا الاجتهاد في الجهاد فحملت جيوش المسلمين من جميع الجوانب وحمل القلب وصاحوا صيحة رجل واحد فالقى الله الرعب في قلوب الكافرين وكان حقا عليه نصر المؤمنين ولما احس القوم بالخذلان هرب منهم في اوائل الامر وقصد جهة صور وتبعه جماعة من المسلمين فنجا منهم وكفى الله شره واحاط المسلمون بالصليبيين من كل جانب واطلقوا عليهم السهام وحكموا فيهم السيوف وسقوهم كاس الحمام وانهزمت طائفة منهم فتبعها ابطال المسلمين فلم ينج منها احد واعتصمت طائفة منهم بتل يقال له تل حطين وهي قرية عندها قبر النبي شعيب فضايقهم المسلمون واشعلوا حولهم النيران واشتد بهم العطش وضاق بهم الامر حتى كانوا يستسلمون للامر خوفا من القتل لما مر بهم فاسر مقدموهم وقتل الباقون.
وكان ممن سلم من مقدميهم الملك جفري واخوه والبرنس ارناط صاحب الكرك والشوبك وابن الهنفري وابن صاحبة طبرية ومقدم الديوية وصاحب جبيل ومقدم الاسبتار.
قال ابن شداد: ولقد حكي لي من اثق به انه راى بحوران شخصا واحدا معه نيف وثلاثون اسيرا قد ربطهم بوتد خيمة لما وقع عليهم من الخذلان.
واما ارناط فان صلاح الدين كان قد نذر انه ان ظفر به قتله وذلك لانه كان قد عبر به عند الشوبك قوم من مصر في حال الصلح فغدر بهم وقتلهم فناشدوه الصلح الذي بينه وبين المسلمين فقال ما يتضمن الاستخفاف بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وبلغ السلطان فحملته حميته ودينه على ان يهدر دمه.
لما فتح الله تعالى عليه بنصره في حطين جلس صلاح الدين في دهليز الخيمة لانها لم تكن نصبت بعد وعرضت عليه الاسارى وسار الناس يتقربون اليه بمن في ايديهم منهم وهو فرح بما فتح الله تعالى على يده للمسلمين ونصبت له الخيمة فجلس فيها شاكرا لله تعالى على ما انعم به عليه واستحضر الملك جفري واخاه و ارناط وناول السلطان جفري شربة من جلاب وثلج فشرب منها وكان على اشد حال من العطش ثم ناولها لارناط وقال السلطان للترجمان قل للملك انت الذي سقيته والا انا فما سقيته وكان من جميل عادة العرب وكريم اخلاقهم ان الاسير اذا اكل او شرب من مال من اسره امن فقصد السلطان بقوله ذلك ثم امر بمسيرهم الى موضع عينه لهم فمضوا بهم اليه فاكلوا شيئا ثم عادوا بهم ولم يبق عنده سوى بعض الخدم فاستحضرهم واقعد الملك في دهليز الخيمة.
واحضر صلاح الدين ارناط واوقفه بين يديه وقال له: ها انا انتصر لمحمد منك ثم عرض عليه الاسلام فلم يفعل فسل سيفه فضربه بها فحل كتفه وتمم قتله من حضر واخرجت جثته ورميت على باب الخيمة،فلما راه الملك على تلك الحال لم يشك في انه يلحقه به فاستحضره وطيب قلبه وقال له لم تجر عادة الملوك ان يقتلوا الملوك واما هذا فانه تجاوز الحد وتجرا على الانبياء صلوات الله عليهم وبات الناس في تلك الليلة على اتم سرور ترتفع اصواتهم بحمد الله وشكره وتهليله وتكبيره حتى طلع الفجر ثم نزل السلطان على طبرية يوم الاحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الاخر وتسلم قلعتها في ذلك النهار واقام عليها الى يوم الثلاثاء.
ورحل صلاح الدين طالبا عكا فكان نزوله عليها يوم الاربعاء وقاتل الصليبيين بها بكرة يوم الخميس مستهل جمادى الاولى سنة 583هـ فاخذها واستنقذ من كان بها من اسارى المسلمين وكانوا اكثر من اربعة الاف نفس واستولى على ما فيها من الاموال والذخائر والبضائع لانها كانت مظنة التجار وتفرقت العساكر في بلاد الساحل ياخذون الحصون والقلاع والاماكن المنيعة فاخذوا نابلس وحيفا وقيسارية وصفورية والناصرة وكان ذلك لخلوها من الرجال لان القتل والاسر افنى كثيرا منهم ولما استقرت قواعد عكا وقسم اموالها واساراها سار يطلب تبنين فنزل عليها يوم الاحد حادي عشر جمادى الاولى وهي قلعة منيعة فنصب عليها المناجيق وضيق بالزحف خناق من فيها، فقاتلوا قتالا شديدا ونصره الله سبحانه عليهم فتسلمها منهم يوم الاحد ثامن عشرة عنوة واسر من بقي فيها بعد القتل ثم رحل عنها الى صيدا فنزل عليها وتسلمها في غد يوم نزوله عليها وهو يوم الاربعاء العشرون من جمادى الاولى واقام عليها ريثما قرر قواعدها وسار حتى اتى بيروت فنازلها ليلة الخميس الثاني والعشرين من جمادى الاولى وركب عليها المجانيق وداوم الزحف والقتال حتى اخذها في يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر المذكور وتسلم اصحابه جبيل وهو على بيروت، ولما فرغ من هذا الجانب راى ان قصده عسقلان اولى لانها ايسر من صور فاتى عسقلان ونزل عليها يوم الاحد السادس عشر من جمادى الاخرة من السنة وتسلم في طريقه اليها مواضع كثيرة كالرملة والداروم واقام في عسقلان المناجيق وقاتلها قتالا شديدا وتسلمها في يوم السبت نهاية جمادى الاخرة من السنة واقام عليها الى ان تسلم اصحابه غزة وبيت جبريل والنطرون بغير قتال وكان بين فتح عسقلان واخذ الافرنج لها من المسلمين خمس وثلاثون سنة فانهم كانوا اخذوها من المسلمين في السابع والعشرين من جمادى الاخرة سنة 548هـ.