وثائق حرب أكتوبر: موشيه ديان قرر خلال حرب أكتوبر ترك الجرحى الإسرائيليين يموتون أو يؤسرون
في وثائق سرية كشف النقاب عنها أمس
جنود إسرائيليون على جبهة الجولان في حرب أكتوبر 73 («الشرق الأوسط»)
تل أبيب: نظير مجلي
خلال الكشف، أمس، عن وثائق سرية للقيادة الإسرائيلية في اليوم الثاني لحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، تبين أن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، موشيه ديان، كان قد أبلغ الحكومة أنه أمر بالامتناع عن محاولة إنقاذ عدد من المواقع العسكرية الإسرائيلية على خط بارليف الواقع على طول شاطئ قناة السويس، تاركا جنوده وضباطه الجرحى يموتون ويؤسرون بأيدي القوات المصرية.والوثائق المذكورة تتعلق بالجلسة التي دعت إليها رئيسة الحكومة الإسرائيلية، آنذاك، غولدا مئير، بعد 24 ساعة من اندلاع الحرب، وحضرها - بالإضافة إليها وديان - وزيران آخران هما يغئال ألون، وإسرائيل غليلي، وعدد من القادة العسكريين. وقدم ديان تقريرا عن الأوضاع على جبهتي القتال السورية والمصرية. وبدا يائسا تماما، وقال إنه يشعر بالخطر على وجود إسرائيل. وأضاف: «ليس هذا وقت محاسبة للذات، لم أقدر جيدا قوة العدو ووزنه القتالي، وبالغت في تقدير قواتنا وقدرتها على الثبات. العرب يقاتلون أفضل مما كانوا عليه سابقا.. يملكون أسلحة كثيرة، يصيبون دباباتنا بأسلحة مميزة. إن الصواريخ تشكل مظلة منيعة لا يستطيع سلاحنا الجوي تدميرها. لست أدري إن كانت أي ضربة استباقية قادرة على تغيير الصورة جذريا».وديان يعتبر قائدا حربيا أسطوريا لإسرائيل. واعترافاته تلك بدت مذهلة، لدرجة أن المدير العام لرئاسة الحكومة في زمن حكومة إسحق رابين، ايتان هابر، كتب معلقا على أقواله، أمس، معلنا ذهوله وصعوبة تصديق ما يقرأ: «إنها أكثر وثيقة مثيرة لليأس والإحباط والاكتئاب أقرأها من وثائق التاريخ الإسرائيلي. فهؤلاء قادة كان الناس يسجدون لهم ويعبدونهم حتى قبل ساعات من اندلاع الحرب. ولو كانت نشرت في حينه، لكان يفترض محاكمتهم».وجاء في الوثائق، التي أفرج عنها مسؤول أرشيف الدولة، أمس، لأول مرة بعد 37 عاما، أن ديان أعرب عن خشيته من أن «يتلاسن العالم على إسرائيل ويستهزئ بأنها نمر من ورق، بعد أن فشلت في الصمود أمام أولى الضربات التي تتلقاها من العرب رغم تفوقها النوعي». أما رئيسة الوزراء، غولدا مئير، فتساءلت: «هناك أمر واحد لا أفهمه.. لقد كنت أظن أننا سنبدأ بضربهم لحظة عبورهم القناة.. ماذا حدث؟»، فأجابها ديان: «خسرنا دبابات. كان هناك غطاء مدفعي. دباباتنا أتلفت. لم تتمكن الطائرات من الاقتراب بسبب الصواريخ. 1000 قطعة مدفعية (مصرية) سمحت للدبابات بالعبور، ومنعننا من الاقتراب. إنه أسلوب روسي، وتخطيط روسي كذلك، 3 سنوات من التجهيزات».ويشرح موشيه ديان في تلك الجلسة تفاصيل سقوط مواقع التحصينات الإسرائيلية، الواحد بعد الآخر في قلب سيناء، ويقترح أن تنسحب القوات الإسرائيلية إلى خطوط المضائق (الممرات)، 30 كيلومترا شرق القناة، وأن تترك وراءها الجرحى الذين لا مجال لإخلائهم: «في الموقع الذي يمكن إخلاؤه، نخليه، وفي المواقع التي لا يمكن إخلاؤها سنترك الجرحى. من يصل يصل. إذا اختاروا الاستسلام، فليستسلموا، يجب أن نقول لهم: لا يمكننا الوصول إليكم، حاولوا التسلل أو فالاستسلام».وأضاف ديان، وفقا للبروتوكول المذكور، أن المقاتلين طلبوا النجدة، وتابع: «كل ما فقدناه كان خلال قتال عنيف، كل دبابة وإنسان فقدناه، كان ذلك خلال القتال. الذين كانوا يسيطرون على الخط حثوا إريك (أرييل شارون) ولا يزالون يحثونه، على الوصول إلى هناك، إنهم لا يزالون يقاتلون. لقد أراد إريك اقتحام (القنال) والمواصلة عبر الجسر إلى الأمام. أما جوروديش (قائد اللواء الجنوبي في الجيش) فلا يعتقد ذلك».وراح ديان يصور سيناريو يوم القيامة بالنسبة لإسرائيل فقال: «يريدون (أي العرب) السيطرة على كل أرض إسرائيل». فأجابته مئير: «هذه هي الجولة الثانية منذ 1948». وقال ديان: «إنها حرب على أرض إسرائيل. والعرب لن يوقفوا الحرب، وإن فعلوا ووافقوا على وقف إطلاق النار، هذا إن وافقوا، فإنهم سيشعلونها مجددا. لقد وصلوا معنا إلى حرب على أرض إسرائيل.. حتى وإن انسحبنا من هضبة الجولان، فإن ذلك لن يحل أي شيء. احتلال إسرائيل.. إنهاء أمر اليهود».ويبدو من البروتوكول أن التقديرات الاستخباراتية التي كانت في حوزة إسرائيل عشية الحرب كانت خاطئة ومضللة. ويظهر ذلك من مواجهة غولدا للوزير ديان فذكرته بأن التقديرات كانت تذهب إلى أن الرئيس المصري، آنذاك، أنور السادات، لن يدخل الحرب ما دام يعرف أنه لن يتمكن من عبور القنال، ملمحة إلى المصدر الأمني الموثوق الموجود بين يدي جهاز الأمن، الذي وفر تقديرات دقيقة حول نوايا المصريين: «كلهم كانوا يقولون لنا خلال سنوات، إن السادات يعرف أنه لا بد وأن يخسر الحرب». ويرد ديان: «كان لدي إحساس بأننا سنصفعهم في الممر. كانت لدينا تقديرات على أساس الحرب السابقة، ولم تكن صحيحة. كانت تقديراتنا وتقديرات غيرنا غير صحيحة في ما يتعلق بوقت محاولة العبور. أنا متأكد أن الأردن سيدخل الحرب.. لا يمكننا السماح لأنفسنا بعدم الاستعداد. لا بد أن يكون هناك حد أدنى من الاستعدادات، يجب فحص ما هو البديل الممكن. يجب تجهيز قوة ضد محاولة أردنية لاقتحام الضفة. ربما سيسمحون للمخربين بالتحرك».وسألت غولدا مئير ديان ما إذا كان يقترح «طلب وقف إطلاق النار حيث يوجودون الآن (القوات الإسرائيلية)». فرد ديان: «نحن غير موجودين (في أي مكان)». حينها اقترحت اللجوء لوزير الخارجية الأميركي، هنري كيسنجر، فقال ديان وهو في قمة يأسه: «أقبل الفكرة». وطلب ديان أيضا أن يتم التوجه للأميركيين بهدف شراء 300 دبابة، وأضاف: «نحتاج إلى المزيد من الطائرات».ويشير البروتوكول إلى محاولة المجتمعين الخروج بأفكار عملية سريعة تمكنهم من تجنيب إسرائيل خطرا وجوديا حقيقيا، وطرح سيناريوهات متوقعة لما سيكون عليه الأمر مع كل اقتراح يتم طرحه، فيختتم ديان استعراضه للوضع بكلمات قاسية، ربما أراد بها التلميح إلى ضرورة استخدام وسائل أخرى لصد الخطر عن إسرائيل: «هذا رؤية صادقة لي.. إنني أرى الأمر على النحو التالي: كميات الأسلحة لديهم فعالة، تفوقنا الأخلاقي لا يجدي نفعا أمام هذه الكثافة. الأرقام قادرة على الحسم. ربما توجد أفكار أخرى حول كيفية التصرف في ظروف مثل هذه، إنه متشائم أكثر مني في ما يتعلق بهضبة الجولان. لقد قال: كم أتمنى لو استطعت تصويب أمر الخط. جوروديش قلق ومتشكك في الجنوب».وبعد ما يزيد على الساعة من بداية الجلسة، دخل رئيس الأركان، الجنرال ديفيد أليعازر (دادو)، فقال: «إننا نقف أمام قرار مصيري.. أمامنا 3 خيارات»، «الخيار الأول: وضع فرقتين في خط حماية مؤقت، تخرجان منه إلى هجوم مضاد ضد القوات المصرية.. لست متأكدا من أننا سنستطيع السيطرة على أي خط بقوات قليلة، ثم نهاجم بعد ذلك. الخيار الثاني هو التمترس في منطقة المضائق (الممرات).. إنه خط صعب، وسيكلف ثمنا باهظا. أما الإمكانية الثالثة فتتضمن اقتراحا مناورا»، وقال: «تشاورت مع الناس في الأسفل (الجنوب) - بران، وأريك، وجوروديش - نحن مكشوفون هناك مع قوات قليلة. ليلا ستتحرك شعبة إريك، شعبة بران فوق. لقد اقترحوا علي مهاجمة القنال، والصعود على الجسر والتقدم إلى الأمام. كلتا القوتين اللتين ستعبران القنال ستدمران القوات التي أمامهما، بعد ذلك سندمر القوات التي تمكنت من العبور، إنها مناورة، لأنهما القوتان الوحيدتان الموجودتان بين القنال وتل أبيب. إذا هاجمنا القنال وعبرنا دون أن نتمكن من الخروج بسلام، فإننا سنكون حينها مع 3 شعب مكسورة، وحينها سيأتي العراقيون والجزائريون، وحينها ستكون الحرب بعد - يومين أو ثلاثة في قلب إسرائيل».وقد سأل ديان رئيس الأركان: «هل إريك (شارون) في وضعية تمكنه من الهجوم؟»، أجاب دادو: «لا.. حتى الآن». ثم علق ديان على اقتراح دادو الثالث، الذي أوكل أمره لشارون، بقوله: «نموذج إريك غير وارد في الحسبان. فاقترح دادو أن تشن القوات الإسرائيلية هجوما مضادا، ولكن ليس على القنال، إنما على تمركز القوات التي تجاوزتها فعلا.. يمكن عند طلوع الفجر، ومع 200 - 300 دبابة، بالإضافة إلى الجو، أن نحاول كسر القوات التي عبرت فعلا، ثم أن نثبت بعد ذلك عند الخط. إذا نجح ذلك، فإننا سنكون بوضعية هجوم وانطلاق جيدة، وإن لم ينجح، فإنه لن يكون بالأمر المميت القاضي. ستظل هناك قوة كافية للانسحاب نحو الممرات، ثم التحصن هناك». وقال دادو معلقا على اقتراح ديان للانسحاب إلى خط المضائق: «الخط الذي اقترحه موشيه أضغاث أحلام. أنا لا أختلف مع موشيه، أنا أريد ذلك، ولكني لا أعرف إن كان ذلك ممكنا».وسأل الوزير يغئال ألون عن إمكانية قصف عمق العدو، فأجاب ديان: «ماذا يعني ذلك؟.. لا أعتقد أن هذا مؤثر. قصف دمشق لن يؤثر على الوضع في الجبهة. إذا كان لدينا النفس لذلك، ربما نضرب البترول، والكهرباء، لكن لا أكثر من هذا. كل هجوم من جهتنا سيزيد من الخسائر». وتساءلت غولدا مئير حينها: «ماذا عن الخسائر؟»، أجاب ديان بلهجة مقتضبة: «هناك مواقع فقدنا الاتصال بها».